דבר העובדים בארץ ישראל
menu
יום שבת י"ט בניסן תשפ"ד 27.04.24
20.9°תל אביב
  • 19.2°ירושלים
  • 20.9°תל אביב
  • 20.7°חיפה
  • 20.7°אשדוד
  • 18.8°באר שבע
  • 29.2°אילת
  • 21.9°טבריה
  • 20.7°צפת
  • 21.2°לוד
  • IMS הנתונים באדיבות השירות המטאורולוגי הישראלי
histadrut
Created by rgb media Powered by Salamandra
© כל הזכויות שמורות לדבר העובדים בארץ ישראל
חלב

في مدينة الموت، حَلَب

העיר חלב בסוריה לאחר תקיפות אוויריות (צילום: סוכנות AP).
העיר חלב בסוריה לאחר תקיפות אוויריות (צילום: סוכנות AP).

على مقربة من هيئة تحرير "دفار ريشون" في كريات شالوم، تل-أبيب، يقع شارع زيغلبويم. يحمل هذا الشارع اسم شخصية يهودية عريقة: تمكّن شموئيل زيغلبويم، شخصية يهودية بولندية معروفة، في الفرار من مدينة وراسو بعد احتلالها بقليل من قبل قوات الاحتلال النازية. وبصفته ممثلا لليهود المسجونين في غيتوهات بولندا، سعى زيغلبويم جاهدا عند باب السلطات والحكومات لوقف المذابح المُرتكبة ضد شعبه. لكن مساعيه بائت بالفشل.

نُخصص عدد يوم الجمعة، 16 كانون الأول 2016، كاملا، لأحداث سوريا وحلب. هذه هي رسالتنا الاحتجاجية.

في يوم 19 نيسان 1943، في ليلة عيد الفصح عند اليهود، وقف النازيون عند مداخل غيتو وارسو وبدأوا بتدميره. بسالة وقوة المقاومة التي أظهرتها البقية الباقية من سكان الغيتو، نحو 70 ألف إنسان، والتي قادتها حركات الشبيبة الصهيونية، فاجأت القوات النازية لكنها لم تكن كافية لوقف وحش الدمار. في 12 أيار 1943، وفيما كانت ألسنة اللهب تحرق الغيتو، قرر زيغلبويم، الذي كان يعيش في لندن، وضع حد لحياته.

في الرسالة التي تركها بعد انتحاره، والتي وجهها بشكل مباشر لقيادة الحكومة البولندية في المنفى، ولكنها توجهت إلى ضمير الإنسانية جمعاء، كتب زيغلبويم: "لقد سقط رفاقي المُحاربون في غيتو وارسو في ملحمتهم البطولية الأخيرة. لم يُسمح لي بالرحيل مثلهم، معهم، لكنني أنتمي اليهم، لقبرهم الجماعي. من خلال موتي، أريد أن أعبر عن احتجاجي العميق على انعدام الفعل، حيث يقف العالم شاهدا ومُصادقا على إبادة الشعب اليهودي."

في أروقة غيتو وارسو لم يعرفوا، في الغالب، عن مساعي زيغلبويم. كما أنهم لم يعرفوا أيضا أنه في حين كانت القوات النازية تمر من باب إلى باب فاتكة بالجميع، اجتمعت مجموعة من الدبلوماسيين البريطانيين والأمريكيين في جزر برمودا الدافئة، ليبرروا لأنفسهم عدم قدرتهم، كقوة عظمى، على التدخل لإنقاذ اليهود في المناطق المُعقدة التي يحتلها النظام النازي. البيان الختامي لمؤتمر برمودا في نهاية أبريل 1943 أشار بنوع من الرضى إلى "التقدم" و"الأمل في مساعدة اللاجئين قدر الإمكان."

يتسحاك (أنطك) تسوكرمان، نائب قائد المنظمة اليهودية المُقاتلة في غيتو وراسو، قال بعد انتهاء الحرب، بأن سكان الغيتو عاشوا في وهم بأن العالم لا يعرف حجم الفظائع المرتكبة ضد اليهود. سكان الغيتو افترضوا أنه لو علم العالم بما يجري، لتحرك. "روزفلت كان يعرف، البابا كان يعرف… اكتشفنا أن العالم كبير وقذر"، قال أنطك.

بالنسبة لضحايا حلب، بأطفالهم وشيوخهم، لا وهم بأن "العالم لم يعرف". خلال الأسبوع المنصرم، غصّت شاشات مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية بصور وجوه أهل حلب المذعورين. بعضهم ظهروا خلال القصف والتدمير. "اذكرونا بعد موتنا" صرخوا من أعماق يأسهم، "قد تستطيعون عمل شيء من أجل الآخرين". نساء، رجال وأطفال علقوا بين مطرقة الشر وسندان الموت، بين جهاديي داعش المُجرمون وأشباههم، وبين نظام القتل والتدمير بقيادة الأسد وحلفاءه في طهران والضاحية وموسكو.

العالم صامتٌ كالمقبرة. وعندما يسقط الشر من السماء كالمطر، يصم صمت العالم الأذان. في آب 2013، وعلى خلفية هجوم قوات الأسد بالسلاح الكيماوي على مواطنيه في الغوطة، والتي راح ضحيته آلاف القتلى بينهم مئات الأطفال، اعتقدنا أن الكيل قد طفح! لكن البرلمان البريطاني رفض اقتراح رئيس حكومته بالتدخل العسكري في سوريا، وأوباما وكيري تراجعا عن نية التدخل عسكريا. روسيا والولايات المتحدة بلورتا اتفاقا يُمكن، ظاهريا، من تجريد الأسد من أسلحته الكيماوية. أوباما من جهته أكد بأن استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى سيدفع الولايات المتحدة إلى الرد بقوة. لكن منذ ذلك الحين تكررت مراراً حالات استخدام السلاح الكيماوي والفظائع الأخرى ضد المدنيين، وعلى قول الشاعر: الشمس أشرقت، والمجرم ذبح. وفي السياق السوري، يمكن القول والمجرمون ذبحوا.

العالم يتثاءب غير مبالِ؛ يقلب الأوراق والملفات باحثا، دون جدوى، عن البند الذي سيستخدمه لمقاضاة داعش في المحكمة الدولية. مئات آلاف القتلى، حالات اغتصاب لا تعد ولا تُحصى، أطفالٌ أبيدت عائلاتهم وضاعت طفولتهم-كل هذا لا يُحرك العالم.

إذا ما هو الدرس من كل ما يحصل؟ هل علينا حقا أن نُعلّم أولادنا بأن العالم كبير وقذر؟ وبأن ما يُحرك أبطارة الحرب هي اعتبارات المال والسياسة فقط، وبأن ما يحكم العالم هي المصالح الضيقة بدون أي اعتبار للقيم والمُثل العُليا؟ بأن لا نتكل على أحدٍ سوى أنفسنا؟

في هيئة تحرير "دفار ريشون" نظن أن هذه الدُروس ذُوتت جيدا، ربما أكثر من اللازم في دولتنا، إسرائيل. عند التحضير لهذه النشرة، بحثنا عن شخص ينادي بضرورة تدخل إسرائيل لمنع حرب الإبادة التي تدور على مرمى حجر من حدودنا. لم نجد هذا الشخص. الإسرائيليون يتفاخرون، وبحق، بالنشاطات الإنسانية التي تقوم بها إسرائيل والمنظمات الإسرائيلية الإنسانية المُستقلة، غالبا في الخفاء، من أجل تقديم المساعدة. الادعاء السائد على لسان الجميع هو أننا لا نستطيع تقديم يد العون للضحايا في ظل الوضع المُعقد السائد في منطقة الحرب. وفجأة أصبحنا جزءا من العالم ومن صمته. ها هي دولة اليهود تتخذ موقفا في معادلة المصالح، وأصبحا أمة كباقي الأمم.

نحن في "دفار ريشون"، نعلن رفضنا لهذا الواقع، ونخصص نشرة يوم الجمعة 16 كانون الأول 2016 كاملة للحديث عن أحداث سوريا وحلب. هذه هي رسالتنا الاحتجاجية-احتجاجا على الشر، وعلى إبادة الأبرياء، أخواتنا وإخوتنا في الإنسانية، أبناء الشعب السوري. إنه احتجاجنا على اللامبالاة الإجرامية وعلى الدعم الذي تُقدمه القوى العظمى للقتلة. لكل قوة عظمة مُندوبيها من القتلة الذين يعملون من أجل مصلحتها. وهو أيضا احتجاجنا على لا مبالاتنا، وصرخة لدولتنا بأن لا تصمتي! على إسرائيل واجب التحرك. فوق كل ما فعلته، عليها القيم بالمزيد.

بطبيعة الحال، هناك العديد من القضايا التي رغبنا في الحديث عنها في نهاية الأسبوع هذه. ميزانية الدولة، وضع الفقراء في إسرائيل، والتحدي الكبير الذي يواجه المُجتمع الإسرائيلي في أزمة عمونة. كان من المُريح أن نتمدد في نهاية الأسبوع لنقرأ الأخبار الخفيفة، في الفن والأدب مثلا. لا شك لدينا بأن التأمل فيما يحصل وراء حدودنا الشمالية هو أمر مؤلم.

وصَفَ بنيامين زئيف هرتسل مشاعره عندما قرأ في الصحيفة أخبار مذبحة كيشنيف، عام 1903، في مقال "كيشنيف والسردين"، وهو وصف يصلح الآن أيضا، فقال:

"يقرأ الإنسان: مذابح في كيشنيف. بين الأخبار السريعة حول رحلات الملك الإنجليزي، وأخبار البورصات، وبين أخبار الوفود التي استقبلها القيصر الألماني وما شابه. تقرأ كثيرا عن المصائب، عن حوادث القتل والسطو، فتمر على هذه الأخبار مرور الكرام.

ابنتنا تهتم بهذه القضية كثيرا. اليوم، كانت هي أول من أخذ الجريدة ولا تبحث فيها عن أي خبر سوى هذه القضية. ولا يهدأ تعاملها مع الموضوع أذا نطقت أنا أو سكتُ. لا يمكنها أن تفهم سلبيتي. أغضب كثيرا عندما يتم إزعاجي أثناء الفطور. فكل يوم يحمل أخبارا سوداء… كعادتي، أدهن قطعة الخبز بالزبدة وأضع عليها شريحة سردين لذيذة. رائحتها الذكية تملئ أنفي. لكن ابنتي تمنعني من أكلها. أبتاه، لم تقرأ؟ أخذوا الطفل من حضن أمه وقتلوه أمام عينيها. وضعت قطعة الخبز مع السردين جانبا، ونظرت في عيني ابنتي. عيناه تدمعان. مسحت خدها الحزين. وعندها شعرت بيدها تقبض على كفي وكأنها تطلب العون. تحدثت معي بعيونها وبقلبها. لم نحتاج للكلمات لنفهم على بعض. ها نحن الآن، أنا وهي، في كيشنيف. مجموعة من الوحوش اقتحمت حديقتنا المُشمسة. نحن نقاتل من أجل البقاء. ها أنا أدافع عن زوجتي وعن أبنائي بكل ما أوتيت من قوة. لا يدوم الأمر طويلا- لكنني أرى بكل وضوح كيف تكون الحرب على الحياة والموت التي يخوضوها إخوتي وأخواتي في كيشنيف. حياتي- حياتهم، وابنهم- ابني."

يُنهي هرتسل المقال بنداء للضحايا: "ارقدوا بسلام أيها المعذبون باسم الرب، أبناء العرق العبري العتيق، الحي منذ الفي عام. لن يكون موتكم هباء. أنين احتضاركم سيكون جرساً يقرعُ عشية الحرب ليسمعه ملايين البشر. موتكم سيجعلنا أحياء. باسمكم سنقف ونتحرك."

وماذا نقول للضحايا في حلب وسوريا؟ وماذا سنقول لأنفسنا؟

דבר היום כל בוקר אצלך במייל
על ידי התחברות אני מאשר/ת את תנאי השימוש באתר
פעמון

כל העדכונים בזמן אמת

הירשמו לקבלת פושים מאתר החדשות ״דבר״

נרשמת!